العيد- فرصة مهدرة للتواصل المجتمعي وتنمية الأحياء
المؤلف: عبداللطيف الضويحي09.28.2025

تتوالى الأعياد علينا مرتين في العام، ومع هذا التكرار، تظهر بوضوح فرص التواصل المهدرة، سواء على المستوى الفردي، أو المجتمعي، أو حتى المؤسسي. إن التباعد الزمني بين العيدين، وغياب هيئة مركزية تتولى زمام التخطيط والتنسيق واستثمار الأبعاد المتنوعة للعيد، يعكس قصورًا في تلبية تطلعات فئات المجتمع المختلفة. هذا القصور يؤثر سلبًا على تحسين السلوك المجتمعي، ويمنعنا من استغلال الطاقات البشرية لتعزيز الروابط بين الجيران، والارتقاء بها من مجرد علاقات جوار إلى علاقات إنسانية بنّاءة ومثمرة، تشكل قيمة مضافة تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في تحسين جودة الحياة. إن التكرار المتباعد للأعياد لا ينبغي أن يكون عائقًا أمام استثمار هذه المناسبة العظيمة والارتقاء بها بعيدًا عن العشوائية والارتجالية.
لا يعني هذا إطلاقًا تدخل المؤسسات الرسمية في أدق تفاصيل العيد، فمن الأهمية بمكان ترك المجال مفتوحًا للمبادرات الفردية الخلاقة، والتطوعية غير الحكومية، لتأخذ مداها الكامل. هذا يسمح بتعزيز المبادرات المبتكرة، وتمكين المجتمع المدني، وإتاحة الفرصة للتنوع والاختلاف بين المجتمعات المحلية، وتجنب الاستنساخ الممل للأحياء. ولكن، في المقابل، يجب ألا تتسع الهوة بين الاحتياجات المجتمعية الضرورية والفرص الضائعة في كل حي، وهو ما يدعونا للتساؤل والبحث عن الحلقة المفقودة بين هاتين الضفتين المتناقضتين، خاصة في الأحياء الكبيرة بالمدن.
إن غياب ثقافة الأحياء يمثل معضلة حقيقية، لا تقتصر على الأعياد فحسب، بل تمتد لتشمل العديد من المناسبات. أعتقد أن أزمة التواصل في العيد هي جزء لا يتجزأ من غياب ثقافة الأحياء، بل وغياب مفهوم الحي والأحياء في المدن الكبرى.
العيد فرصة ذهبية للتواصل الفردي والاجتماعي، يمتزج فيها البعد الديني بالبعد الاجتماعي والترفيهي والاقتصادي. كما أن العيد مناسبة تهم كافة فئات المجتمع العمرية، من أطفال ونساء ورجال، مواطنين ومقيمين على حد سواء، وهذا يتطلب تطوير أساليب ومنهجيات تواصل حديثة، تتناسب مع هذه المناسبة العظيمة، وترتقي بها وتعززها.
لا أنكر جهود بعض الأمانات وبعض البلديات في المدن والمحافظات في التعامل مع مناسبات العيد، كما أنني لا أقلل من شأن المبادرات الفردية والمجتمعية التي تتفاعل بتلقائية مع العيد. ولكن، الأبعاد المتعددة والمتداخلة في مناسبات العيد تتطلب، في تصوري، إنشاء مرجعية إدارية رقمية، تتولى مسؤولية التنسيق والتخطيط والإشراف والتقييم لهذه المناسبة الهامة والمؤثرة، من أجل تنمية وتعزيز ثقافة العيد، وتجذيرها بين كافة سكان الأحياء في المدن، ليصبح العيد منتجًا حضاريًا يشمل كافة الأحياء، ولا يقتصر على البعد الأسري أو العائلي فحسب.